١٤‏/٠٦‏/٢٠١٦، ٢:٤٢ م

"التقريب بين المذاهب" في ظل الثورة الإسلامية الإيرانية

"التقريب بين المذاهب" في ظل الثورة الإسلامية الإيرانية

بعد انتصار الثورة الإسلامية، تحرك المصلحون فيها آخذين بنظر الاعتبار تضاؤل فعاليات دار التقريب المصرية وضعفها المتواصل، فشكلوا برعاية قائد الثورة الإسلامية مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية، فكان في مصر دار التقريب وفي ايران مجمع التقريب.

وكالة مهر للانباء –اخمد مبلغي:  صحيح أنّ الثورة الإسلامية قد فجرها الشعب الإيراني، وهو شيعي عموماً، غير أنّها حظيت باهتمام منقطع النظير من أهل السنة أيضاً؛ كونها ذات بنية إسلامية عميقة ومن هذا المنطلق شارك عدد كبير من أهل السنة في إرساء دعائمها، وأعرب كثير من علمائهم ومن مختلف مناطق العالم عن دعمهم وتأييدهم لها بقطع النظر عن الطائفية والخلافات المذهبية، وكانت تنتابهم مشاعر جياشة تجاهها. وهكذا يمكن القول: إنّ الثورة الإسلامية مثّلت أجلى مظاهر الوحدة والتضامن بين الشيعة والسنة، سواء على الصعيد الداخلي أم الخارجي.

وبعد انتصار الثورة الإسلامية، تحرك المصلحون فيها آخذين بنظر الاعتبار تضاؤل فعاليات دار التقريب المصرية وضعفها المتواصل، فشكلوا برعاية قائد الثورة الإسلامية مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية، فكان هناك دار التقريب وهنا مجمع التقريب.

ويوضح رئيس جامعة المذاهب الإسلامية  سماحة الدكتور احمد مبلغي ان هناك خمسة مراحل متعددة ومهمة اجتازها مصطلح التقريب وهي كالتالي:

المرحلة الأولى: مرحلة "التقريب النصي" (وروده في النصوص الدينية).

فالتقريب ليس مفهوماً مستحدثاً وجديداً؛ بل إنّه وردت في بعض الروايات عند أهل السنة وكذلك عند الشيعة مادة التقريب، لكن ليس تحت عنوان "التقريب بين المذاهب"؛ وإنما بعنوان "التقريب بين المتباعدين". فهذه الروايات يمكن عدها من أدلة ومشروعية التقريب.

أما ما ورد في المجاميع الروائية لأهل السنة فمثل ما رواه في المعجم الكبير (الرقم: 3922) من أن النبي (ص) قال لأبي أيوب: " .... تسعى في صلح بين اثنين إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا" وما رواه البزار (برقم 2060) من قول النبي (ص) لأبي أيوب: " .... صل بين الناس إذا تفاسدوا وقرب بينهم إذا تباعدوا".

وأما ما ورد في المجاميع الروائية للشيعة هو قول الإمام الصادق (ع) "صدقة يحبّها الله إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقارب بينهم إذا تباعدوا" (أصول الكافي ج 2 ص 209)

ويستفاد من هذه الروايات أنّ المسلمين مكلفون بالعمل على التقارب من بعضهم عند الشعور بالبعد فيما بينهم لردم الهوة وتقريب المسافات، وهذا هو معنى التقريب. ومن الطبيعي أنّه لا فرق في العوامل المسببة للبعد بين أن تكون قومية أو سياسية أو غير ذلك، أو حتى الأوضاع الناشئة من تعدد المذاهب وعدم التعاطي المناسب والصحيح بين أتباع هذه المذاهب.

وعلى أية حال، الوعاء الذي يتجلى فيه معنى التقريب وتبرز ضرورته هو وجود "حالة من التباعد بين المسلمين"؛ ذلك أنّه لا معنى للتقريب من دون الابتعاد.

المرحلة الثانية: الجهود العامة للقضاء على التفرقة.

لا شك في وجود جهود -وإن كانت متفرقة ومتشتتة-على مرّ التاريخ لرأب الصدع بين المسلمين وإبعاد شبح التفرقة عنهم، حيث شهد التاريخ الإسلامي في غضون القرون المتمادية أنّ المسلمين أنفسهم كانوا يبادرون إلى حلّ الاختلافات التي تبرز بين فئات منهم، ومن المسلّم به أنّ تلك الجهود كانت تعتمد بشكل رئيس على الآية الشريفة: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ).

وعلى هذا الأساس، فالآية المذكورة هي أقدم آية جرى التمسك بها لتحقيق الوحدة الإسلامية؛ الأمر الذي جعلها تتجلى ضمن أبرز آيات الوحدة بفعل مدلولها العميق ومفهومها المؤثر. وقد تميزت هذه المرحلة بطول مدتها وانقسامها إلى مراحل أخرى مهمة عبر التاريخ.

المرحلة الثالثة: الاتحاد الإسلامي العميق.

تتسم هذه المرحلة بالتميز والعمق التاريخي. وقد برزت هذه الوحدة في الميدان الإسلامي كتيار اجتماعي بارز، له أبعاده وخصائصه وقابلياته، ثم أثبت التاريخ أنّ هذه الحركة التاريخية ذات خصلتين هامتين: الأولى أن بوسعها صياغة "ظاهرة تقريبية"، وأنّها استطاعت أن تبلور نهضات وحركات مختلفة ووضع حدود معينة، وبالتالي تمكنت من التأثير على مسار التاريخ برمّته. والثانية أنّها قادرة على عبور الحدود الجغرافية وعدم التوقف عندها.

كان السيد جمال الدين من أبرز المنادين بالوحدة وأكثرهم فطنة على امتداد التاريخ الإسلامي؛ فقد خاض عباب هذا البحر متسلحاً بعبارة "الوحدة الإسلامية"، مستخدماً في هذا المجال أساليب خاصة وسبل متنوعة، بحيث ما زالت الأجيال الحالية- لا سيما التقريبية منها- تدرس حيثياتها وتأثيراتها، وفي الحقيقة لا بد من إخضاع تلك الأساليب الاجتماعية العميقة والشاملة للبحث والدراسة والتمحيص.

لقد اشتملت أساليب السيد جمال الدين على أنواع مختلفة من الجهود الاجتماعية؛ فصهر مساعيه الابتكارية والمحاور القائمة عليها في بوتقة خاصة من الجهود الاجتماعية الجبارة، وكانت أهم تلك المحاور: خلق أدبيات جذابة وممتعة، صياغة أفكار جديدة للعالم الإسلامي، عرض سيرة أخلاقية واجتماعية بصبغة إسلامية، إصدار مجلة ونشر كتب تحليلية على مستوى يتجاوز التوجهات الطائفية.

عموماً، تميز المرحوم جمال الدين بسلوك وسيرة لم تدع لأحد أن يكتشف من خلالها مذهبه وقومیته مطلقاً.

من هنا، لا بد من اعتبار مرحلة السيد جمال الدين مرحلة تاريخية مهمة، تلتها مراحل مختلفة، وتمخضت عن حركات اجتماعية ونهضات وحدوية في مناطق جغرافية مختلفة. وبكلمة واحدة: كان منطلقاً لحركة وحدوية ذات فلسفة خاصة وعميقة.

انصبّت جهوده على مواجهة ثلاث مجاميع هي: الحكام، والنخب، وجماهير الأمة؛ بل تركزت مساعيه على الأخذ بيد النخب، ثم حافظ على هذه القاعدة حتى نهاية المطاف، في حين اتصفت علاقته بالحكام بالتذبذب؛ فتارة يقف إلى جانبهم وأخرى يتخذ موقفاً صارماً تجاههم. وأما صلته بجماهير الأمة فقد كانت تتم في ظل تعزيز العلاقة مع النخب ومدّ جسور التواصل معهم. وعلى أية حال، ما كان ليفرط بأي فرصة تسنح له؛ ولذا كان متميزاً ومن استثناءات التاريخ.

وعلى هذا الأساس، ينبغي أن تشتمل دروس التقريب على درس بعنوان "التعريف بسيد جمال الدين"، فلقد كان ملهماً وصانعاً للتاريخ. فلا بد من معرفة ذلك لسببين: للوقوف على تاريخ التقريب من جهة والتعرف على أساليبه الفاعلة من جهة أخرى.

المرحلة الرابعة: التقريب المصري.

بات مسلّماً مدى التأثير الكبير للشيعة في قم وآية الله البروجردي من ناحية وشيخ الأزهر آنذاك أي الشيخ شلتوت من ناحية ثانية؛ فهما من أطلق هذه الحركة العظيمة ذات الأدبيات الخاصة التي تركت وراءها تأثيراً كبيراً على العلماء والأمة عموماً.

إنّ التقريب المصري تقريب علمائي، والشاهد على ذلك إصدار مجلة وفتح الباب أمام نقاشات علمية وإجراء مراسلات علمائية. وقد أسفرت هذه الحركة حقاً عن تأثير عميق على الوحدة الإسلامية، فكان للتقريب في ذلك الزمان صدى قوي لا زالت ارتداداته في التاريخ الإسلامي موجودة إلى يومنا هذا، شأنه شأن باقي الحركات مثل حركة السيد جمال الدين الأسد آبادي، لكنّ تلك الحركة كانت عبارة عن نهضة اجتماعية عظيمة وشاملة وذات مستويات متعددة؛ ولذا يمكن اعتبار نهضة التقريب المصري منبثقة من صلب حركة السيد جمال الدين، ولا بد من تصنيفها كمرحلة تاريخية مستقلة وفقاً لخصائصها. وقد ركزت النهضة المصرية على العلماء والجامعيين، واستطاعت وضع قواعد للتقريب في مصر والعالم الإسلامي، جديدة من جهة ولها القابلية على البقاء من جهة أخرى، والدليل على ذلك أنّنا لا زلنا نستفيد منها في التقريب إلى يومنا هذا.

وفي هذا السياق، لا ينبغي إغفال التاريخ العريق لدار التقريب المصرية، حيث رُسمت فيها المبادئ الفكرية للتقريب، على أنّ بعض تلك المبادئ لا زالت في مراحلها الابتدائية وبحاجة إلى إعادة نظر وتطوير، وبعضها بلغ حدّ الكمال، وليس بخفي أنّنا استفدنا كثيراً في التقريب الذي تبنّته الثورة الإسلامية من ذلك التقريب المصري.

ثمة عوامل دفعت إلى إصابة ذلك التقريب بالضعف والانحسار، ووفاة أعمدة التقريب في تلك الحقبة من الفريقين الشيعي والسني، مضافاً إلى أسباب أخرى.

ضرورة دراسة عوامل الضعف:

ثمة عوامل عديدة أسهمت في ضعف جهود دار التقريب في مصر وانزوائها رويداً رويداً، أهمها:

أ‌) غياب الرؤية الشاملة إلى العلاقات الاجتماعية لدى الأجيال التي تلت المرحومين: الشيخ شلتوت وآية الله البروجردي.

ب‌) ظهور سياسات التفرقة في المنطقة.

ت‌) انعدام التنظير الصحيح في موضوع التقريب.

ث‌) بعض الاختلافات والسلوكيات غير الصحيحة: وهي التي صدرت وتصدر عن بعض الشيعة وبعض أهل السنة على حدّ سواء أسهمت في إضعاف التقريب وأثرت بشكل سلبي عليه؛ بل وأوجدت نحواً من اليأس والقنوط، ولن تكتسب حركة التقريب القوة المطلوبة والاقتدار المنشود إلا في حال بحث التحديات الاجتماعية (وليس الذهنية بصورة عامة). عندئذ يشتدّ عود التقريب لأنّه مستند إلى دعامتي الدين والفطرة.

نحن ندعو المصريين إلى إحياء وتجديد وتفعيل تجربتهم التاريخية المهمة في التقريب، فان ذلك فرصة كبيرة للأمة فيما لو حصلت.

المرحلة الخامسة: استئناف انطلاق التقريب في ظل الثورة الإسلامية الإيرانية

صحيح أنّ الثورة الإسلامية قد فجرها الشعب الإيراني، وهو شيعي عموماً، غير أنّها حظيت باهتمام منقطع النظير من أهل السنة أيضاً؛ كونها ذات بنية إسلامية عميقة. من هنا، شارك عدد كبير من أهل السنة في إرساء دعائمها، وأعرب كثير من علمائهم ومن مختلف مناطق العالم عن دعمهم وتأييدهم لها بقطع النظر عن المذهبية والتمذهب، وكانت تنتابهم مشاعر جياشة تجاهها. وهكذا يمكن القول: إنّ الثورة الإسلامية مثّلت أجلى مظاهر الوحدة والتضامن بين الشيعة والسنة، سواء على الصعيد الداخلي أم الخارجي.

وبعد انتصار الثورة الإسلامية، تحرك المصلحون فيها آخذين بنظر الاعتبار تضاؤل فعاليات دار التقريب المصرية وضعفها المتواصل، فشكلوا برعاية قائد الثورة الإسلامية مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية، فكان هناك دار التقريب وهنا مجمع التقريب./انتهى/

 

رمز الخبر 1863239

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha